هل سيصل بنا التأقلم قريبا للتعود على مشهد القتل والدم السائل ؟
أكثر الصفات " الحميدة " لصوقا بنا وأكثرها عرقلة وإفساد لكل عملية هدم ثوري لكافة بنى حياتنا الحالية الفاسدة المنخورة ، هي صفة " التاقلم " و " القدرة على التعايش" مع أكثر الوضعيات سوءا .. عبر تحويلها لحالات مشهدية ، تفصلنا عنها مسافة ، أو نندمج فيها اندماجا تاما فلا نعود نعي ما في تفاصيلها من قذارة ، مما يحولنا بدورنا ودون إدراك منا لمسوخ كافكاوية او زومبيات تنزل باحتياجاتها للحد الادنى الضروري مما هو اساسي للبقاء حيا ، مجرد البقاء حيا ، وليس لاكتساب صفة الكائن البشري الفاعل في واقعه وتاريخه ..
إذا اشتد علينا القصف .. سارعنا للاستخفاف بالحياة معلنين أنها كلها زائلة .
إذا تحول الواقع لمستنقع ، صرنا نحن ضفادع ، ونعيش التأقلم الضفدعي ..
إذا صار الواقع مزبلة ، صرنا جحافل من الذباب ..ونحيا التأقلم الذبابي ..
إذا صار واقعنا بالوعات صرف ، صرنا صراصير ..
إذا خيم على واقعنا الظلام الدامس .. فبوسعنا إعدام القدرة على الرؤية والتحول لخفافيش
أما إذا امتلا واقعنا بالعطايا .. فنحن قطعان من المتسولين ..
واذا تطلب الأمر ضرب بنادير .. فنحن أعظم المبندرين.
إذا أبصرنا " حضبة " منعقدة ، جرينا نحوها ، وسايرنا أهل الألف موقف مواقفهم وتقلبنا في ظرف ساعة من أقصى اليمين لأقصى اليسار . هربا من الموقف الواضح . فنحن ؛ ساكنة الغراء المعرى .. ربوبة التلفيق والتوفيق والتنوفيق .
واذا القى بيننا واقعنا فرائس آدمية جريحة ...صرنا فكوكا ناهشة شرسة
وإذا قيل لنا : الكهرباء أو الماء أو النات مقطوعة عن الحي بأكمله سكتنا وصبرنا .. لأن في شرعنا " المصيبة إذا عمت خفت " ولن يروقني احتمال مصابي إلا إذا عرفت أن غيري مسه من الضُّر مثل ما مسني .
لكن لماذا الضُّر من أساسه .. يا ربي ؟؟؟
ننهش مع الناهشين ، ونحتال مع المحتالين ، ونطبل مع المطلبين ، ونتسول مع المتسولين ، ونمارس التقوى مع الانقياء والفجور مع الفاجرين ، بهذه الروح الجبانة النازعة للتعايش والمسكونة بعقل المساومة وقبول أي شيء ، وترذيل كل مبدئية وبيع أي قضية بخمس مليمات في الطريق المفضي للإستقرار النتن ، وبهذه القدرة العجيبة على ممارسة أطول بيات شتوي يمتد عقودا .. بهذا العبث الذي نسميه حياة الإستقرار والاعتدال وتجنب المواقف " القصووية " و" كون عاقل " و " أرزن شوية ".. أكلت أعمارنا اغبى الدكتاتوريات ، وركبتنا حجافل الإنتهازيين ، وحكمنا الاراذل والأنذال وملكت مصائرنا مافيات السوق ، ورزينا بأغرب أشكال واقع قد يقبل به شعب ؛واقع يمضي نحو الانهيار ، لكنه لا ينهار ولا يخر على رأسه ويريحنا منه، واقع يمتلأ فسادا ، لكن الكل يطلب الستر لأن اغلب الناس صاروا مستفيدين منه ، بل ترتهن حياتهم باستمرار الفساد ؛ واذا اتخذوا موقفا ضده على نحو ما ، فليس لأنهم يدينون الفساد باعتباره فسادا ، بل لأنهم لم ينالوا نصيبا فيه . ما نبرع فيه ، ليس دفع الاعمدة المنخورة التي يقوم عليها عالم فاسد منتهي الصلاحية ، لتنقض على اسسها ونتخلص من البناء الذي نخره السوس ... لان عملا كهذا يحمل في احشائه فكرة إقامة البناء الجديد، ونحن لا نرى واقع حياتنا الا استنساخا لما قبله .. ولا نريد بناء جديدا، بل نعشق ترميم القديم وتزويقه ، ونكره التحولات الجذرية . ما نبرع فيه هو إدارة الأزمة والتعايش معها وتصييرها " لحالة مؤقتة دائمة " والتمرغ في أوحالها ثم التشكّي منها ... وتلك بطولتنا الوحيدة